السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واجبنا نحو وقتنا أن ندركه ونضعه نصب أعينيا
فنحرص على الاستفادة منه كله
فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا وما يعود علينا بالخير
والسعادة أكبر خاصة إذا علمنا أن ما يذهب منه لا يعود.
ولقد كان السلف الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم
لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمته
وكانوا يحرصون كل الحرص على
ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان
وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع
أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير
يقول الحسن:
"أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم
حرصاً على دراهمكم ودنانيركم".
واجبنا نحو وقتنا تنظيمه
بين الواجبات والأعمال المختلفة
دينية كانت أو دنيوية بحيث لا يطغى بعضها على بعض
ولا يطغى غير المهم على المهم.
يقول أحد الصالحين:
"أوقات العبد أربعة لا خامس لها:
النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية.
ولله علينا في كل وقت منه سهم من العبودية يقتضيه
الحق منا بحكم الربوبية:
فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المنَّة من الله
عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها
ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر
ومن كان وقته المعصية فسبيله التوبة والاستغفار
ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا والصبر".
وواجبنا نحو وقتنااغتنام وقت فراغه:
الفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس
فنراهم لا يؤدون شكرها
ولا يقدرونها حق قدرها
فعن ابن عباس
أن النبي صل الله عليه وسلم قال:
«نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس:
الصحة، والفراغ» [رواه البخاري].
وقد حث النبي صل الله عليه وسلم
على اغتنامها فقال صلى الله عليه وسلم:
«اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها:
وفراغك قبل شغلك»
[رواه الحاكم وصححه الألباني].
يقول أحد الصالحين:
"فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة
فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه
باب الهوى وانجرَّ في قِياد الشهوات
شوَّش الله عليه نعمة قلبه
وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه".
من أحوال السلف مع الوقت:
قال الحسن البصري:
"يا ابن آدم إنما أنت أيام
إذا ذهب يوم ذهب بعضك".
وقال:
"يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسِن إليه
فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك
وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك وكذلك ليلتك".
وقال:"الدنيا ثلاثة أيام:
أما الأمس فقد ذهب بما فيه
وأما غداً فلعلّك لا تدركه
وأما اليوم فلك فاعمل فيه".
وقال ابن مسعود:
"ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه
نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي".
وقال ابن القيم:
"إضاعة الوقت أشد من الموت
لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة
والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
وقال السري بن المفلس:
"إن اغتممت بما ينقص من مالك
فابكِ على ما ينقص من عمرك".
بم نستثمر أوقاتنا؟
إن مجالات استثمار الوقت كثيرة وعلينا
أن تختار منها ما هو أنسب لنا وأصلح
ومن هذه المجالات:
حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه:
وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته
وقد حثَّ النبي صل الله عليه وسلم
على تعلم كتاب الله فقال:
«خيركم من تعلم القرآن وعلمه»
[رواه البخاري].
فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها
مثل الذكر وهو مجال خصب وسهل
لا يكلفنا مالاً ولا جهداً
وقد أوصى النبي صل الله عليه وسلم
أحد أصحابه فقال له:
«لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله»
[رواه أحمد وصححه الألباني].
فما أجمل أن يكون قلبنا معموراً بذكر مولاه
إن نطقنا فبذكره، وإن تحركنا فبأمره.
والإكثار من النوافل مجال مهم لاغتنام
أوقات العمر في طاعة الله
وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها
علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص
الذي يقع عند أداء الفرائض
وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد
«ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه»
[رواه البخاري].
زيارة الأقارب وصلة الأرحام
فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر
وبسط الرزق، قال صل الله عليه وسلم:
«من أحب أن يُبسط له في رزقه
ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه»
[رواه البخاري].
اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة
مثل بعد الصلوات وبين الأذان والإقامة
وثلث الليل الأخيروعند سماع النداء للصلاة
وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس.
وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة فيها
فيحصل العبد على الأجر الكبير والثواب العظيم.
نتعلُّم الأشياء النافعة مثل الحاسوب واللغات
والسباكة والكهرباء والنجارة
وغيرها بهدف أن ننفع نفسنا وغيرنا.
هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع علينا وقتنا
وتكاد تذهب بعمرنا إذا لم نفطن إليها
ونحاول التخلص منها ومن هذه الآفات:
الغفلة:
وهي مرض خطير يففقدناالحسَّ الواعي بالأوقات
وقد حذَّر القرآن من الغفلة أشد التحذير
حتى إنه ليجعل أهلها حطب جنهم، يقول تعالى:
{وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنمَ كَثِيرًا منَ الجِن وَالإِنسِ
لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ
بِهَا وَلَهُم ءاذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَـئِكَ كَالأنعام
بَل هُم أَضَل أُولَـئِكَ هُمُ الغاَفِلُونَ}
[الأعراف:179].
والتسويف:
وهو آفة تدمر الوقت وتقتل العمر وللأسف
فقد أصبحت كلمة "سوف" شعارللكثير
يقول الحسن البصري:
"إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك"
لأننا لا نضمن أن نعيش إلى الغد
وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا نأمن المعوِّقات
من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل
ونعلم أن لكل يوم عملاً ولكل وقت واجباته
فليس هناك وقت فراغ في حياة المسلم
كما أن التسويف في فعل الطاعات
يجعل النفس تعتاد تركها
وكما قال الشاعر:
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري *** إن جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ
فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ *** وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهرِ
وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً *** وقـد نُسجتْ أكفانُه وهـو لا يدري
تعالوا نغتنم أوقات عمرنا في طاعة الله
ونحذر من التسويف والكسل فكم في المقابر من قتيل سوف.
والتسويف سيف يقطع المرء عن أستغلال أنفاسه في طاعة ربه
فنحذر أن نكون من قتلاه وضحاياه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن طالت أعمارهم
وحسنت أعمالهم
وأن يرزقنا حسن الاستفادة من أوقاتنا إنه خير مسئول.
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق